سياسة

الراعي: الربّ أكسبنا بقيامته الحقّ في الرجاء الذي تتبخّر امامه كلّ وعود البشر، لأنّها تحمل في طيّاتها حسابات تجاريّة وسياسيّة.

ترأس البطريرك الماروني الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي قداس أحد القيامة في كنيسة الشرح البطريركي في بكركي يعاونه لفيف من نوابه العامين بحضور حشد سياسي ومدني والقى غبطته عزة بعنوان:”لا تخفن … بل إذهبن وقلن للتلاميذ” (مر 16: 6-7). قال فيها:عندما وصلت النسوة حاملات الطيوب ليحنّطن جسد يسوع، وهنّ مريم المجدليّة، ومريم أمّ يعقوب، وصالوما، تفاجأن بأنّ الحجر الكبير قد دُحرج عن باب القبر فانذهلن، وفاجأهنّ في الداخل شاب متوشّح حلّة بيضاء فارتعبن. فقال لهنّ كلمتين أساسيّتين في حياتنا المسيحيّة:

الأولى: “لا تخفن! يسوع الناصري الذي صُلب قد قام، وليس هو هنا” (مر 16: 6).

والثانية: “إذهبن وقلن لتلاميذه إنّه يسبقكم إلى الجليل، وهناك ترونه” (مر 16: 7).

وتابع :قيامة المسيح الربّ من بين الأموات دعوةٌ دائمة إلى انتزاع الخوف من نفوسنا، وإرسالٌ دائم لإعلان سرّ قيامته التي بها ننتصر على الخطيئة والشرّ. هاتان الكلمتان تزرعان سلام المسيح في القلوب والنفوس. ولهذا السبب نحتفل في هذه الليتورجيا الإلهيّة “برتبة السلام”، راجين أن نكون صانعي سلام في عائلاتنا ومجتمعنا ووطننا، كما يريدنا يسوع. ثقافتنا أن نكون صنّاع سلام لا حرب، دعاة تفاوض لا خلافات. بأيّ حقّ يجتاح حكّام الدول وحاملو الأسلحة بيوتًا فيهدمونها ويقتلون أهلها ويشرّدون سكّانها؟ كيف يمكن القبول بهذا القتل والهدم المبرمج في غزّة وساكنيها؟ أليس ما نراه هناك جريمة ضّد الإنسانيّة؟ وفي لبنان يجب بذل كلّ الجهد لئلّا يُستدرج وطننا إلى حرب تطال جنوبه وأماكن أخرى. السلام الذي يشكّل في الأصل رسالة لبنان لا يعني فقط انتفاء الحرب، بل أيضًا السلام السياسيّ الذي يؤمّن الخير العام، والسلام الإقتصاديّ الذي يوفّر مستوى مرموقًا لحياة المواطنين، والسلام الإجتماعيّ الذي يؤلّف جماعة وطنيّة تعيش معًا بالإحترام المتبادل والتعاون وبروح الأخوّة الإنسانيّة، والسلام الغذائيّ الذي يوفّر للمواطنين سلامة غذائهم بمستوى أعمارهم.

في هذه المناسبة السعيدة يطيب لي ولإخواني السادة المطارنة والأسرة البطريركيّة، أن أقدّم لكم أطيب التهاني والتمنيات ولكلّ الذين يشاركوننا عبر وسائل الإتصال الإجتماعي. كما نقدّمها لأبرشيّاتنا ورهبنيّاتنا في النطاق البطريركيّ وبلدان الإنتشار، راجين لهم فيض الخير والبركات. وألتمس من المسيح الربّ الحاضر في كلّ مكان أن يخاطب قلوب الفقراء والمرضى والمحرومين من فرحة العيد ودفئه بسبب إصابتهم بويلات الحروب، ولا سيما في أوكرانيا وروسيا وغزّة وجنوبيّ لبنان. وقد فقدوا أعزّاء عليهم، ودُمّرت بيوتهم وممتلكاتهم وشُرّدوا على الطرقات، فيما الجوع والعطش والحرمان من كلّ شيء يتآكلهم ويميتهم. وحده يسوع قادر أن يرسل إليهم رسل خير وسلام بحسب قلبه.

واضاف:بكلمته الأولى، يقول لنا المسيح الربّ القائم من الموت بلسان الملاك: لا تخافوا. هذه الكلمة يردّدها لنا في جميع ظلمات حياتنا الخاصّة والعامّة. ظلمة الفقر والمرض، ظلمة الحرب والقتل والتدمير، ظلمة الإستبداد والظلم، ظلمة التفرّد بمصير شعب ودولة ووطن. وبكلمة، إنّها ظلمة كلّ حالة تدوم وتحاول أن تزعزع الرجاء الذي فينا، ولكنّنا على يقين بأنّ الربّ المسيح أكسبنا بقيامته الحقّ في الرجاء الحيّ الآتي من الله، لا من البشر. إنّ رجاء المسيح يزرع في القلوب اليقين بأنّ الله يعرف أن يوجّه كلّ شيء إلى الخير، لدرجة أنّه يخرج من القبر الحياة. أمام هذا الرجاء تتبخّر كلّ وعود البشر، لأنّها تحمل في طيّاتها حسابات تجاريّة وسياسيّة، الأمر الذي يولّد عدم الثقة بكلّ مسؤول أو سياسيّ يبني على الوعود الكاذبة.أمام هذا الرجاء تتبخّر كلّ وعود البشر، لأنّها تحمل في طيّاتها حسابات تجاريّة وسياسيّة، الأمر الذي يولّد عدم الثقة بكلّ مسؤول أو سياسيّ يبني على الوعود الكاذبة.

واردف قائلا :بكلمة المسيح الثانية على لسان الملاك: “إذهبوا”، يرسل كلّ مسيحيّ ومسيحيّة إلى إداء الشهادة للقيامة كحدث وكفعل فينا. القيامة حدث يكمّل موت يسوع. فكما موته حدث تاريخيّ دوّنه الإنجيليّون الأربعة، كذلك قيامته حدث تاريخيّ نقله شهود عيان كالنسوة والتلاميذ والجند حرّاس القبر والتلميذين على طريق عمّاوس. والقيامة فعل فينا إختبرها التلاميذ وكلّ الذين آمنوا بالمسيح، إذ تبدّلت حياتهم، فعبروا في حياتهم من حالة خطيئة إلى حالة نعمة. فها مريم المجدليّة التي أخرج منها يسوع سبعة شياطين، كما يشهد القدّيس مرقس في إنجيله (مر 16: 9) فلإنّها اختبرت فعل القيامة الروحيّة في حياتها، كانت أوّل شخص ظهر لها يسوع وأرسلها لتشهد لقيامته.

وتابع :ها شاوول مضطهد المسيح والكنيسة أصبح بولس رسول الأمم الذي جاب الشرق والغرب ليشهد للمسيح القائم من الموت، لأنّه اختبر نعمة القيامة في حياته. وها أغسطينوس المتمرّغ في أوحال الخطايا، يختبر بدوره فعل القيامة، ويصبح من أعظم قدّيسيّ الكنيسة ومعلّميها وأساقفتها، واشتهى أن يختبر كلّ إنسان فعل القيامة في حياته ويتذوّق أطيب ثمارها. وقد قال نادمًا على ماضيه: “أحببتك متأخّرًا أيّها الجمال الفائق” (الإعترافات).الشجاعة وانتزاع الخوف من جهة، والإرسال والشهادة لقيامة المسيح المختبرة فعليًّا فينا من جهةٍ أخرى، تعلّمنا أربعة:

أ- أنّ أهمّ حدث على الإطلاق في تاريخ العالم هو أنّ الإنسان يسوع قد مات وقام، وهو حيّ في كلّ آن.

ب- في قبر الإنسان ينتهي كلُّ شيء، أمّا من قبر المسيح فيبدأ كلّ شيء، وتبدأ حياتنا المسيحيّة الفضلى. ذلك أنّ المسيح بقبره غلب الموت وانتصر على كلّ ما يجرّه الموت من حزن وإحباط ويأس.

ج- في القبر ينتهي الإنسان الجسديّ، وتنتهي معه حياة طويلة أو قصيرة على الأرض وما تخلّلها من عمل. فلا شيء يعصم الإنسان من الوصول إلى القبر. إنّه النهاية لكلّ بداية على الأرض. أمّا يسوع فمجده ينبعث من قبره، والحياة الحقّة تشرق على الأرض من القبر. فقبر المسيح إشراقة لمجده.

د- بعد قيامة المسيح صار بإمكان الإنسان أن يتصالح مع الله بالتوبة، وأن يرجع إليه بالندامة، وأن يتوب عن إهانته له، وأن يتّحد به بالمحبّة. إذا فعل إستطاع أن يتصالح مع أخيه الإنسان، كلّ إنسان بدءًا من الخصم. وهنا تكمن البطولة المسيحيّة. وإلّا كنّا خارج حدث موت المسيح فدًى عن خطايانا، وخارج قيامته لتقديسنا (روم 4: 25).

وختم :فيا ربّنا يسوع المنتصر على الخطيئة والموت، بصلبك وقيامتك، هب لنا ولكلّ إنسان نعمة سلوك هذا النهج، بحيث نموت معك عن خطايانا، ونقوم معك لحياة جديدة. آمين. المسيح قام، حقاً قام.

وبعد القداس  استقبل البطريرك المهنئين بالعيد فاستقبل وفد كتلة “الجمهورية القوية” الذي شارك في قداس الفصح لتقديم التهاني بالعيد، الذي ضم االنواب: شوقي الدّكاش، زياد حواط، انطوان حبشي، رازي الحاج، الياس الخوري والوزيرة السابقة مي شدياق.

وتحدثت باسم الوفد الوزيرة السابقة مي شدياق التي قالت: “المسيح قام وترك لنا الكفن تذكاراً ، وقبر القيامة فارغا. جننا اليوم إلى سيد الغبطة، لكي نفرح ونهلل معه بقيامة المسيح ، ولكي نصلي معه على نية قيامة لبنان. اقرعي يا أجراس السماء، فإن الفادي عريسك قام من بين الأموات، فمتى ستأتي الساعة ، حيث سنحتفل مع غبطة أبينا البطريرك بخلاص لبنان وتغلبه على الموت”.

أضافت: “ان رمزية القيامة التاريخية هي أنها رسالة لكل البشرية بأن القيامة بمعنى الخلاص والتجدد وعدم اليأس وعدم الإحباط والإيمان آتية لا محالة، أيا كانت الأوضاع. فهذا إيماننا وهذا نحن وهكذا سنبقى. ثانياً تحقيقاً لهذه القيامة يجب أن نعمل باتجاه الثوابت التي تجمعنا، ثوابت الكنيسة المارونية التاريخية التي يشدد عليها غبطة البطريرك ونشدد عليها نحن أيضاً معه وهي السيادة والاستقلال والسلاح الواحد والجيش الواحد والحياد والتعددية والشراكة والمساواة. عندما كنا نطبق هذه الثوابت كان يطلق على لبنان سويسرا الشرق، عندما خرجنا عنها أو بالأحرى بعدما انقلبوا عليها تحول لبنان من مضرب مثل كدولة نموذجية إلى دولة في أسفل سلم الدول الفاشلة”.

وتابعت: “أتينا اليوم إلى سيد الصرح لتهنئته بقيامة المخلص ولنلتمس منه السبيل الذي سيؤدي إلى الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي بأسرع وقت، فلا قيامة للبنان، قبل تحرير هذا الاستحقاق من براثن من يصادره عنوة. وأي رئيس بالنسبة لنا هو رئيس واضح بالتزامه بالدستور والثوابت التي نؤمن بها، رئيس إصلاحي سيادي لا يتأثر بموازين القوى إنما يؤثر على مجرى الحياة السياسية انطلاقاً من شفافيته والتزامه بالقوانين المرعية”.

كما استقبل رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل،  على رأس وفد من “التيار”،ضم  نواب الرئيس مارتين كتيلي وغسان خوري وناجي حايك والنواب ندى البستاني وسيزار أبي خليل ونقولا الصحناوي والمستشار السياسي أنطوان قسطنطين ومنسق قضاء كسروان الفتوح داني ضو. واكد باسيل بعد اللقاء أن “وجودنا ودورنا إلى قيامة”. وقال: “أتينا الى الصرح الكبير في هذا اليوم الكبير لنعيش القيامة برمزيتها الدينية وبمعناها الوطني، لانه عندما نؤمن بأن المسيح قام، لا يحق لنا ألا نؤمن بأن لبنان سيقوم”.

وأشار الى أننا “مستعدون لكل شيء للدفاع عن وجودنا وكذلك للتسامح والصفح مهما تعرضنا للأذى والظلم”، مضيفاً: “نحن لا نلبي دعوة بكركي فقط، بل نحث ونسعى أيضاً لتوحيد الموقف، لأن لا شيء غالٍ أمام وجودنا ودورنا، وهذا أقل الواجب في ظل أزمة وجودية”.

واذ لفت باسيل إلى نداء بكركي عام ٢٠٠٠ في ظل مرحلة مصيرية، أكد أنه “في ظل الأزمة الوجودية الحالية أقل الإيمان أنْ تصدر وثيقة وطنية من بكركي كبداية، ويجب أن تُتَابع بالسعي لخطة تحقيقها بالأعمال لتكريس وجودنا ورسالتنا”، لافتاً إلى أن “هذه دعوة مفتوحة ودائمة مهما تعرّضت وتعرضنا”.

وختم بالتشديد على أن “موقفنا سينتصر” وعلى أن “الحقيقة ستظهر في النهاية وحقيقة لبنان ورسالته سيستمران”.

والتقى غبطته على هامش قداس الفصح في بكركي، وزراء العدل هنري خوري والاتصالات جوني القرم والسياحة وليد نصار والإعلام زياد المكاري، في خلوة قصيرة تخللتها معايدة وعرض سريع للأوضاع العامة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى