متفرقات

“الديموقراطية على مذبح قوانين الإنتخاب”، محاضرة للدكتور سابا زريق في رابطة الجامعيين بطرابلس

إستضافت “رابطة الجامعيين في الشمال” في مقرها بطرابلس، الدكتور سابا قيصر زريق رئيس الهيئة الإدارية  لـ “مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية” في ندوة بعنوان “الديموقراطية على مذبح قوانين الإنتخاب”، بحضور النائب الدكتور طه ناجي، الرئيس السابق لبلدية الميناء عبد القادر علم الدين، رئيس مركز صلاح الدين للثقافة والإنماء العميد الدكتور هاشم الأيوبي، رئيس المجلس الثقافي للبنان الشمالي صفوح منجد، رئيس الهيئة الإدارية للقاء الأحد الثقافي العميد الدكتور أحمد العلمي،أمين عام الإتحاد الفلسفي العربي الدكتور مصطفى الحلوة، أمين عام الجمعية اللبنانية للإنترنت والمعلوماتية الشيخ منصور الخوري، نقيب أطباء الأسنان السابق الدكتور بسام دبليز، نقيب الأطباء السابق نبيل فتال، الأمينة العامة السابقة للجنة الوطنية لليونيسكو الدكتورة زهيدة درويش، مدير كلية الآداب الفرع الثالث سابقا الدكتور جان جبور، مديرة كلية الآداب سابقاً الدكتورة جاكلين ايوب منصور، مدير مستشفى “اورانج ناسوً الدكتور أحمد مغربي، رئيسة مركز إيليت للثقافة والتعليم إيمان درنيقة كمالي، رئيسة “نادي قاف للكتاب” الدكتورة عائشة يكن، وحشد من رؤساء وأعضاء الجمعيات ومهتمين.
الحسامي

في الإفتتاح النشيد الوطني اللبناني ثم تحدث رئيس رابطة الجامعيين في الشمال، غسان الحسامي مرحبا بالحضور في اول نشاط تقيمه الرابطة منذ ثلاث سنوات بسبب توقف الأنشطة تزامنا مع إنتفاضة 17 تشرين وتداعياتها وما تلاها من إنتشار جائحة كورونا.
وتوجه بالشكر إلى مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية ورئيسها الدكتور سابا قيصر زريق على  دعمها للرابطة.

ثم قدّم الحسامي المحاضر الدكتور زريق الحائز على شهادة دكتوراه في الحقوق من جامعة باريس 2، بالتعاون مع جامعة القديس يوسف في بيروت (USJ)  منوهاً بالدور الذي تقوم به مؤسسته الثقافية منذ العام 2013 حيث قارب عدد منشوراتها المئة كتاب، وهو كذلك نائب رئيس لقاء الأحد الثقافي وعضو في مجلس الأمناء لعدد من الجمعيات التي لا تتوخى الربح وفي مؤسسات تعليم عالي وله مؤلفات عديدة في اللغات العربية والفرنسية والإنكليزية.

زريق
ثم تناول الدكتور زريق موضوع المحاضرة، وعنوانها “الديموقراطية على مذبح قوانين الإنتخاب” ومما جاء فيها:
–          قد يكونُ قانونُ الإنتخاب لسنة 1960 هو الأشهرُ بين القوانينِ العديدةِ التي أُقِرَّت قبلَه، غير أنه لا بدَّ من لمحةٍ موجزةٍ عنها. لفتَني عند مراجعتي لهذه القوانين استعمالُ المشرِّعين للعِبارة الآتية: “إستثنائياً ولو لمرة واحدة…”. تدلُّ هذه العبارة على نيةٍ غير مبطنة، لتعديلِ القانون عندما تتبدّلُ الظروف السياسية. فأضحى مجردَ مستندٍ يتلاعبُ به المُغرِضون، كما لو أنه ليس سنداً للإنتخاباتِ العامة، أي لأبرزِ أركانِ الديموقراطية، أو لحقِّ التصويتِ فيها وهو من أهمِ حقوقِ المواطنين السياسية. أصبحت عمليةُ سَلبِ المواطنِ لحريةِ اختيارِه سالفةً تتكرَّرُ بغَطاءِ الديموقراطيةِ التوافقيةِ العجيب، الحاضِنِ للمحاصصاتِ المعروفة.
–    عُرِفَ أولُ مجلسٍ للنواب في لبنان باسم “اللجنة الإدارية”، تلاهُ مجلسٌ آخر سمّي “المجلس التمثيلي الأول للبنان الكبير”، ثم “مجلسٌ تمثيلي ثانٍ”، إلى أن انتُخب “مجلس الشيوخ”. واستمرَّتْ سلسلةُ قوانين الإنتخاب بالصدور بعد ذلك: قانون إنتخابات المجلس النيابي لدولة لبنان الكبير، وآخِرُ ما أُقرّ منها، قبل صدورِ قانون 1960، هو قانون الإنتخاب لسنة 1957. واختلفَ عددُ النواب المنتخبين بموجب هذه القوانين: فمن 18 عضواً  إلى 42، ارتفاعاً إلى 77، تخفيضاً إلى 44، ارتفاعاً  مجدداً إلى 66؛ أي عملية “يو يو” فعلية.
كما اختلفت الدوائرُ الإنتخابية بين القوانين، فمنها من اعتبرَ المحافظةَ دائرةً إنتخابية واحدة أواستحدَثَ دوائرَ إنتخابيةً عديدة ومنها ما حدَّدَ عددَ الدوائر الإنتخابية حسب عددِ المقاعد النيابية فيها؛ وخَصَّصَ أحَدُها “كُرسياً” نيابياً لطائفةٍ معينة في محافظةٍ معينة. عالجَ بعضٌ من هذه القوانين مواضيعَ الإعلامِ الانتخابي والإعلانِ الإنتخابي وكذلك الإنفاق الإنتخابي والهبات أو “المَكْرُمات” النقدية أو العينية التي تؤَثِّرُ في عمليةِ التصويت، وأهلية الترشح للمجنسين التي حُدِّدت بوجوب انقضاء خمس سنوات فقط على تاريخ تجنيسهم ، لتُرفَعَ بعد ذلك إلى 10 سنوات؛ كما وأعطى المرأةَ الحقَ في التصويت.
–   ومن أحكام القوانين المذكورة التي تستدعي التوقفَ عندها:
–   شروط تأهُّل المرشح: أن “يعرِفَ القراءةَ والكتابة” ، أو أن يكونَ “مُلماً بالقراءة والكتابة”، أو أن يكونَ “متعلماً”؛
–   غير أن ما أدهشَني، وآمُلُ أن يُدهِشَكم كذلك، في قانون 1934، هو نصٌ يجرّمُ عمليةَ “اختطاف عُلبة الاقتراع المحتوية على أوراق الناخبين” أو “الاعتداء عليها من قِبَل أعضاء قلم الاقتراع أو الحراس”. ولما كان تجريمُ ارتكاباتٍ لا يتُمُ عادةً إلا إذا كانت رائجة، فإن هذا النص يَدُلُّ على أن هذه الظاهرة، المتجددة في أيامنا، كانت متفشيةً في ذلك التاريخ، أي منذ حوالي تسعين سنة. ولله الحمد، لم نعد نرى لِمِثل هذا النص “الرؤيوي” أيَ أثرٍ في القوانين اللاحقة.
–    وصدرَ قانون الإنتخاب لعام  1960. هو قانون الـ 99 نائباً، ومعادلةُ الـ 54 نائب للمسيحيين والـ 45 للمسلمين، وتوزيعُ الدوائرِ الإنتخابيةِ على أساسِ القضاء، باستثناءِ مراكز المحافظات التي أُجيزَ فصلُها عن القضاء، أو تقسيمُها إلى أكثر من دائرة. ولم يتطرَّق إلى مسألةِ الإنفاقِ الإنتخابي، غير أنه استحدثَ البطاقة الإنتخابية، مستثنياً العمل بها في أول إنتخابات تلي صدور القانون. وكان نظاماً أكثرياً.
–    أُبرِمَت وثيقةُ الوفاق الوطني اللبناني في الطائف في 22 تشرين الأول 1989 وتَلاها قانونٌ جديد في سنة 1991، رفع عدد النواب إلى 108، مع إنتهازِ الشُغور الذي كان قد حَصَل في المجلس، بابتداعِ التعيين بدلاً من الإنتخاب لملءِ ذلك الشغور، مضيفاً ان هذا التعيين يكون “استثنائياً تطبيقاً للدستور ….”. وإنفاذاً لذلك، عَيَّنت الحكومة آنذاك 39 نائباً لملء المقاعد النيابية المستحدثة. من نافل القول إن تعيينَ النواب هو سلبٌ لإرادةِ الناخبين وصفعةٌ للديموقراطية.

–    رفعَ قانون 1992 عددَ النواب إلى 128 وجعل المحافظة دائرة إنتخابية، مبرِّراً هندستَهُ هذه أنها تَتُمُ “بصورة استثنائية” ولدورة إنتخابية واحدة. واستثنى انتقائياً بضعة أقضيةٍ من ذلك كما نصّ “بصورة استثنائية ولمرة واحدة” على تعديل بعض المهل، محظراً الإعلام والإعلان خلال الحملة الإنتخابية، ومعَلِّقاً العمل بالبطاقة الإنتخابية التي نصّ عليها قانون 1960. وعَدَّلَ قانون 1996 الدوائرَ الإنتخابية بتشكيلةٍ جديدة تؤمِّنُ فَوْزَ من شرّعَهُ، معتمداً المحافظةَ كدائرة إنتخابية في مكان، والقضاء كدائرة إنتخابية في مكانٍ آخر. وجرياً على عادتهم، عدّل المشرّعون “بصورة استثنائية ولمرة واحدة” بعضَ المِهَل، واستمروا بتعليق العمل بالبطاقة الإنتخابية (المادة 7). مؤكداً على وجوبِ إبراز البطاقةِ الإنتخابية، تحت طائلةِ حِرمان المقترعين من الإنتخاب ومعتمداً النظامَ الأكثري الطوائفي.  كما نظم بعضَ الشيء الدعاية الإنتخابية وفترة الصمت الإنتخابي. غير أنه أدرجَ “استثنائين” غير بريئين: اعتبارُ الدائرتين الإنتخابيتين في الجنوب استثنائياً دائرة إنتخابية واحدة، وتعليقُ العملِ بالبطاقة الإنتخابية المفروضُ استعمالُها، “لحين الانتهاء من وضع بطاقة إنتخابية موحدة للإنتخابات النيابية والبلدية والاختيارية”؛ التي لم تصدر لغاية اليوم”، مضيفاً أنه يمكن للمقترع أن يستعملَ البطاقةَ غير الموحَّدة المعمولِ بها آنذاك للانتخاباتِ البلدية والاختيارية.
–    ثم أنشأَ مجلس الوزراء عام 2005 الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الإنتخابات النيابية، إيفاءً لوعدٍ قطَعهُ في بيانِه الوِزاري، عُرفت بلجنة فؤاد بطرس، وكُلِّفت بإنتاج مشروع قانونِ إنتخاب عادل، غير إلغائي، يؤمنُ التمثيلَ الصحيح، تحت سقف وثيقة الطائف ومقدِمة الدستور. إستلمت الهيئة أكثر من 120 اقتراحاً، واخذت بالمبادئ الآتية في توصياتها: المساواة الطائفية والنسبية في عدد نواب كل مذهب والمحافظة أو القضاء كدائرة إنتخابية بالتساوي بين كل المناطق والكوتا النسائية والسماح للمغتربين بالاقتراع وتخفيض سن الاقتراع من 21 الى 18 سنة واعتماد نِظام إنتخابي مُختَلَط والنسبي في الدوائر الكبرى: مع إعادة النظر بالتقسيم الاداري للدوائر الإنتخابِية، وصوتين تفضيلين في الإنتخابات على الأساس النسبي، مع وضع ضوابط للإنفاق الإنتخابي والاستمرار بتقسيم  العاصمة إلى ثلاث دوائر.
–   أما مشروعُ قانون اللقاء الأرثوذكسي، فقد اعتمد المحافظة كدائرة إنتخابية، مع المساواةِ بين المسيحيين والمسلمين، والنسبيةِ بين المذاهب والمناطق، مقترِحاً أن يقومَ الناخبُ بالتصويت لمرشحٍ من طائفته، مع اعتبارِ لبنانَ دائرةٍ إنتخابية واحدة. أيّد هذا المشروع كما عارضَهُ نوابٌ وكِتلٌ نيابية بِحِجة أنه مذهبي ويضرِبُ “الميثاقية”.
–        أما قانونُ الإنتخاب لسنة 2008 فتجاهلَ توصياتٍ للهيئة، محافظاً على النِظام الأكثري، ومُضيفاً أن يكون المرشحُ “متعلماً”!! كما استحدث “هيئة الإشراف على العملية الإنتخابية”، مع إعطاءِ الإذنِ لهيئاتِ المجتمع المدني المعنية بالإنتخابات بمواكبة ومراقبة عمليتها، وعلى أن تجري الإنتخابات في يومٍ واحدٍ في كافة الدوائر الإنتخابية مع السماحِ لغيرِ المقيمين بالاقتراع.
–        وفي عام 2017، تمخّضَتْ شهوةُ المتحاصصين المعروفين عن قانونِ إنتخابٍ جديدٍ ألغى معظمَ بنودِ القانونِ السابق معتمداً نظامَ إنتخاب سُمي بـ النسبي ، مع صوتٍ تفضيليٍ واحد، ولوائحَ إنتخابية مغلقة. واستحدثَ ستة (6) مقاعد جديدة لغير المقيمين ليرفع عدد النواب الإجمالي الى 134، على ان يُعمل بذلك بعد أول إنتخابات تلي تاريخ نفاذ القانون.
بصرفِ النظر عن الإدعاءات الكاذبة التي غُرّر المواطنُ اللبناني بها على لسان سياسييه، والتي تَبيّنَ زَيْفُها في نتائج الإنتخابات لعامي 2018 و2022، رأيتُ التصدّي انتقائياً لأبرزِها في اقتراحاتي الآتية، لتُصهَرَ في قانون إنتخاب جديد؛ ومنها ما سبق لآخرين أن اقترحوه، مُضيفاً ما رأيتُهُ موضوعياً وعادلاً لاستردادِ الديموقراطيةِ المفقودة.

وفي ما يأتي مقترحات لبنود اصلاحية في قانون انتخاب جديد:
أولاً: قانون إنتخاب يعزز الوحدة الوطنية ويخدم الديموقراطية
إن الأمثلَ أن تُعكسَ الآيةُ بترجمةِ تعدُّديَتِنا في نظامٍ سياسيٍ غيرِ طوائفي، ينبثقُ عنه قانونُ انتخابٍ خارج القيدِ الطائفي، على ما أوصى به اتفاقُ الطائف. وبانتظارِ هذا الفَرَج، إليكم بضعةَ مقترحات:

1-1        قانون الإنتخاب
إن اعتمادَ النسبيةِ الحقيقية في قانونِ انتخابٍ ما لا معنى له إلا إذا كان القانون يسمحُ بتأليفِ لوائحَ إنتخابية على أساسِ قواسمَ مشترَكة، ينضوي فيها مرشَّحون يتطلّعون إلى نفسِ الأهداف ويؤلّفون كِتَلاً سياسية متجانسة ومتماسكة، وليس لوائحَ تشكَّلُ لمجَرَّدِ تأمين حواصلَ إنتخابية. إن النِظامَ الإنتخابي الأكثر تمثيلاً هو بنظري النِظام الأكثري، في دائرة إنتخابية صغيرة، مثل القضاء، حيث يكون الناخبون على بيّنة من سيرة مرشحٍ أو مرشحةٍ ما، عملاً بالقول المأثور “أهلُ مكّة أدرى بشعابها”. ولا يكونُ أيُّ مرشَّحٍ هابطاً بـ “ببراشوتٍ” سياسي، نتيجة مقايضةٍ ما.

1-2        تعزيزُ الوِحدة الوطنية
–  بُرِّرَ اعتمادُ النظام المسمّى زوراً نسبياً، بوجوب تعزيزالوحدة الوطنية، أي “بالعربي المشبرح” إتاحةَ الفُرصَة للمسلم أن ينتخب المسيحي والعكس بالعكس، كما لو أن الصوت التفضيلي لا يؤدي إلى ترسيخ الطائفية، لا بل المذهبية. وبالتالي، فإن الإدِّعاءَ بأن هذا الأخير يعزِّزُ التعايشَ، بينما هو يوجّه الناخب، بفَرضِهِ لصوتٍ تفضيليٍ واحد، للإقتراع لابن مِلَّتِه، هو ادِّعاءٌ كاذب.
–  ما بالُكُم مثلاً، في غيابِ قانونٍ يفتحُ اللوائحَ على مشيئةِ المقترِع، بعد الافتراض بأن الذهنية الجَماعية تتغير باعتبارِ المقترعِ أن من يُمَثِّلُه تمثيلاً صحيحاً ليس هو بالضرورة ابنُ طائفَتِه، أن  يفرض قانون الإنتخاب على المقترعين أن يصّوتوا حصراً لمرشحين من طوائفَ أخرى؟ عندئذٍ، يمكن التباهي بأن أصواتَ المقترعين تُسهِم في تعزيز الوحدة الوطنية. غير أن هذا الطرح يصطَدِمُ بمُعضِلةٍ أساسية، ألا وهي أنه في معظم الدوائر المختلطة، حيث عدد المقترعين من طائفة معينة أكبر من عدد المقترعين من طوائف أخرى، يفوزُ نائبٌ عن دائرةٍ إنتخابية ما بعدد أصوات أقل مما يكون قد ناله نائبٌ فائزٌ آخر في نفس الدائرة. والحلُّ الوحيد في هذه الحالة يكمنُ في أن يكون لبنان دائرة إنتخابية واحدة. غير أن هذا الطرح يجافي رأيي بوجوب إعتماد نظامٍ أكثريٍ في دوائر إنتخابية صغيرة.

1-  3     تعزيز الديموقراطية
–  هل تُعزَّزُ الديموقراطيةُ بفرضِ لائحةٍ مغلقة، لا خيارَ يُترك للناخبِ فيها إلا بأختيار أحدِ أعضائها، بصوتٍ تفضيليٍ يتيم؟ أم هي تعزَّزُ بعدمِ السماح بشطبِ أي اسم في اللائحة أو بجَعلِها حَلْبةَ تنافسٍ بين أعضائها؟ إلى درجة حمَلَتْ هذه السنة معظمَ المرشحين على لائحة واحدة، أن يطلبوا من المقترعين عدم التصويت لغيرهم من أعضاء اللائحةِ نفسِها.
–     ومن جهةٍ  أخرى، أدّت الحواصل الإنتخابية إلى حِرمان مرشحين عن طائفةٍ ما من الفوز، لصالح مرشحين من أبناء الطائفة نفسها، نالوا عدداً أقل من الأصوات؛ ولم يكونوا ليفوزوا لولا الحواصل التي نالتها لائحتُهم. فأين هي الديموقراطيةُ المجَسَّدة في قراراتٍ تتخِذُها الأكثرية؟ ناهيكم عن أنه بمجرد إعلان الفائزين بالنيابة في الإنتخاباتِ التي جرَتْ هذه السنة، وفي أكثر من دائرة، انفرَطَ عقدُ اللوائح والتحقَ مرشحون فيها فائزون بمرابضِهم الأساسية.
–  إن القانونَ المطّبَّق على الأحزابِ السياسية في لبنان لم يزل قانونُ الجمعيات العثماني الذي أقِرّ منذ أكثر من 113 عاماً. أقترح أن يُتركَ الخَيارُ للمرشحين بالترشح منفردين، ويُسمَحَ لكلٍّ من المقترعين أن يشكِّلوا لوائحَ خاصةً بهم، حتى ولو كان أعضاؤها من ضفافٍ سياسيةٍ مختلفة.  وبالطبع، عند صدورِ قانونٍ عصريٍ للأحزابِ السياسية، بروحٍ غيرِ طائفية، يضمنُ الانضواءَ في لائحةٍ واحدةٍ لمن يتشاركون فكراً سياسياً واحداً، يمكن عندئذ، وأشدّد على “يمكن”، أو “يجوز”، أن تكونَ اللوائحُ مغلقةً.

–  وإن أَخَذْنا الإنتخابات الماضية نموذجاً، لرَأينا أن بعضاً من التغييريين يتماهون في تطلعاتهم مع معظم المستقلين. فلو أن لوائحَ واحدةً ضَمتَهم، في بعض الدوائر، لأنتجَت الإنتخاباتُ كتلةً نيابيةً لا يُستَهانُ بعددها، بإمكانها ربما قلبَ الطاوِلة على التركيبة السياسية المسيطرة.

ثانياً:  الأهلية للترشح
2-1 بالله عليكم ماذا يعني أن يكونَ مرشحٌ لمقعدٍ نيابيٍ ما “متعلماً”؟ وما المنطِق في أن يُطلبَ من المرشحين لوظائف معينة في الدولة أن يكونوا حائزين إجازاتٍ جامعية، بينما يكتفي المشرِّعُ باشتراطِ أن يكون مرشحٌ لمقعدٍ نيابي “متعلماً”؟ إن اقتراحي هو أن ينُصَّ قانونُ انتخابٍ جديد على أن يكون المُرَشَّحُ لمقعد نيابي حائزاً على إجازةٍ جامعية، تمكّنه من استيعاب مشروعِ قانون، ومناقشتِهِ والتصويت عليه أو ضدَّه، بذهنٍ نقدي.
2-2 كما أقترحُ أن يكونَ مرشحٌ ما مسجلاً في الدائرة الإنتخابية التي يترشحُ عنها، أو أن يكونَ مقيماً فيها منذ 10 سنوات على الأقل، بحيث يتسنى للمقترعين في الدائرة أن يتعرّفوا عليه عن كثب، بدلاً من قبولِ ترشّحِ غُرَباءَ عنها، تتنقلُ الكِتلُ السياسية بهم من دائرةٍ إلى أخرى، على ضوء التحالفات والمقايضات النيابية.

2-3 ولما كانت ارتكاباتُ بعضِ المرشحين للإنتخابات العامة معروفةً، لا بل مؤكَّدةً في بعض الأحيان، توسِمُ جبينَهم بعارٍ لا يُمْحى، دون أن يلوَّنَ سِجِلُّهُم العدلي بأية وقوعاتٍ بفضل من يَدعمُهم، يجب السماح لعددٍ معين من المقترعين في الدائرة التي يترشح عنها هؤلاء بالاعتراض على ترشّحهم، بعريضةٍ يوقِعُها عددٌ منهم يتناسبُ مع  عددِ المقترعين الإجمالي في الدائرة الإنتخابية المعنية.

2-4 كونَ مهمةُ النائب، إلى التشريع، مراقبةَ أداءِ الحكومة، فإن فصل النيابة عن الوزارة أضحى أمراً لا  مفّرَ منه؛ وإن جرت العادة في لبنان أن تتمثلَ الأحزابُ والتكتلاتُ السياسية بـ “وكلاءَ عنهم” في الحكومات المتعاقبة، بحيث تُصبح الحكومةُ برلماناً مصغراً، تنفذ إرادتَهُ ومشاريعَهُ. فكيف نطالبُ إذاً البرلمان بمراقبة ومحاسبة الوزراء المرتِكبين؟ أيحاسِبُ إنسانٌ نفسَهُ ويعاقبُها؟ وإنفاذاً لهذا المبدأ، ينبغي على قانون إنتخابٍ جديد أن ينصَّ على رَفْض تَرَشُحِ أيِ شخصٍ يكونُ وزيراً في تاريخ تقدّمه بالترشح، أو توزيرِ أي نائب.

ثالثا: الأهلية للاقتراع
يجب تخفيضِ سن الإنتخاب إلى 18 سنة وإعطاءِ شبابنا المقهور الحقَ في اختيارِ نوابه.

رابعاً: الكوتا النسائية
إن تحديدَ نسبةٍ مئوية للمقاعد النسائية في البرلمان هو أشدُّ ظَلامةٍ على النساءِ من دونه. فلو حُدِّدَت النسبة بـ 20 أو 30%، أولا يعني هذا أن قدرات المرأة تقدَّر بـ 20 أو 30% من قدرات الرجل؟ أو أن عقلَها لا يتجاوز هذه النسبة، مقارنةً مع عقل الرجل؟ أما إذا انتصر الباطلُ على الحق، فاقتراحي أن تحدَّدَ الكوتا بنِسبةٍ دنيا، وليس بنسبةٍ قصوى.

خامساً:التحفيز على الاقتراع – البطاقة الإنتخابية الإلكترونية

إن المعدلَ التاريخي لعددِ المقترعين في الإنتخابات العامة، نسبةً إلى عدد المقيّدين على لوائح الشطب، هو دون المأمول؛ وبالطبع لا يتناسبُ مع درجةِ استياءِ المواطنين من أداءِ النواب، إذ أن معظَمَ الناخبين يلازمون منازِلَهم يوم الانتخاب أو ينصرفون إلى اهتماماتٍ أخرى. لذلك، يُستوجَبُ تحفيزُهم على الاقتراع. إن العناءَ الذي يتحمَّلُه الناخب والتكاليفَ المرتفعة التي عليه أن يتكَبَّدَها للانتقالِ من مكانِ سَكَنِه إلى الدائرة الإنتخابية المقيَّد على لوائحِ شطبِها، للقيام بواجِبِ الاقتراع، أضحتْ مبرِّراً مشروعاً لتخلُّفِه عن ذلك. آن الأوانُ أن توضعَ البِطاقةُ الإنتخابيةُ الالكترونية موضِعَ التنفيذ، فهي سوف تشجع حامِلَها على الاقتراع في ما يسمّى بالـ Mega Center الذي يكونُ الأقربَ إلى مكان إقامته.
سادساً: الإعلام الإنتخابي والإعلان الإنتخابي والانفاق الإنتخابي

– إن اقتراحي، لتفادي المصاعب والمصاريف غير المجدية التي على الدولة أن تتكبدَها في هذا السبيل، أن يقومَ المجلسُ الدستوري، أو أي مرجِعٍ قضائيٍ رفيع آخر، أو أية هيئة مستقلّة لا تمُتُّ بصلة إلى السلطة التنفيذية، بتأليف لجنةٍ تكون مسؤولةً عن تنظيم موضوع الإعلام الانتخابي والإعلان الانتخابي ومراقبة الإنفاق الإنتخابي. يتقدم المُرَشحون من هذه اللجنة بطلبٍ يذكرون فيه ماهية إعلانِهم وإعلامِهم ووسائلِ الإعلام التي يرغبون بالتعامل معها. فتقوم هذه الهيئة بالتواصل مباشرةً مع تلك الوسائل والشركات بتكليفهم بذلك، ضامنةً عدمَ تجاوزِ سقفِ الإنفاق الإنتخابي المحدد في القانون. ويفترضُ ذلك أن تقومَ هذه الوسائل بموافاةِ الهيئة بجدولٍ بتعرفتِها. وبكلمةٍ أوضح، تعمل الهيئة كوسيطٍ ليس إلا.
سابعاً:  قانون انتخاب ثابت ونهائي

إن الأهمَّ هو إقرارُ قانونِ انتخابٍ ثابتٍ ونِهائي، غير قابل لأي تعديلٍ عشوائي، يضرُبُ الإستقرارَ الدستوري والإنتخابي، ويُجهِضُ جهودَ المرشحين في سعيِهم للإعداد لحَمَلاتهم الانتخابية وعقدِ تحالفاتِهِم على أساسٍ قانونيٍ غير متحرِّك.

وختم :عذراً إن كنتُ قد أطلتُ عليكم؛ فموضوعُنا شائكٌ وإن كان شائقاً؛ وهو سببُ شَقائِنا؛ لا تصُحُّ معالجتُه بندوةٍ من هنا أو أخرى من هناك. وحتماً ليس على طاولةٍ، سبق أن اقتسمَ عليها ساسَتُنا غنائمَنا، وما زالوا يتنعَّمون بَلذَّاتها. من المؤسف أن تكون محاولاتُ التغيير الذي ناضَلَ من أجله شرفاءٌ، أطلقوا على حَراكهم اسمَ “الثورة”، قد باءت بفشلٍ نسبي، لافتقارِها إلى وِحَدتهم، ووِحدةِ رؤيتهم. فخيبتُنا تعاظمَت مع تعاظمِ التوقعات التي زرعوها في نفوسنا.

ولما كان التشريعُ هو أساسُ أركانِ أيِّ مجتمعٍ، وبخاصةٍ المجتمعات الديموقراطية، أو تلك التي تدّعي أنها ديموقراطية، فإن أضعفَ الإيمانِ أن تُسَنّ فيها قوانينٌ تكونُ كفيلةً بترسيخِ هذه الديموقراطية، وتُتيحَ للمواطنين أن يختاروا مُمثليهم دونَ قيدٍ أو شرط؛ ممثِّلينَ يتمتعون بمناقبيةٍ رفيعة. كفانا جلاّدين ومرتكبين. وكيف لنا أن نَضْمَنَ اختراقَ المجلسِ النيابي بنوابٍ يُشبِهونَنَا ويحققونَ آمالَنا، إن نحن لم نناضلْ من أجلِ قانونِ انتخابٍ جديد، لكي نؤمّنَ لأولادِنا وأحفادِنا ومن بَعدِهم مستَقبلاً أفضل، من أجل قانونٍ لا نجِدُ فيه أيَّ بندٍ يُقَرُّ “بصورةِ استثنائية ولمرة واحدة”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى