مقالات

خواجة:”حلول دكتور وزني لأزمة الودائع تجمع بين السم و العسل”

كتب الدكتور طلال خواجة في صحيفة نداء الوطن مقالة بعنوان “حلول دكتور وزني لأزمة الودائع تجمع بين السم و العسل” قال فيها:

كثر لا يتذكرون هذا الاسم، مع ان الخبير المالي والاقتصادي د.غازي وزني شغل المنصب الاهم في حكومة د.حسان دياب، والتي اتى بها حزب الله والتيار الوطني الحر وقوى الممانعة عموما في اعقاب استقالة حكومة سعد الحريري استجابة لضغط المنتفضين في ٢٠١٩.
والمعروف أن انتفاضة الغضب التشريني اندلعت في اعقاب اقرار زيادة ٦ سنت على الواتس اب، مفجرة مسلسلا من الأزمات النقدية والمصرفية والمالية
والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والسيادية التي كانت تعتمل في الجسم السياسي والاقتصادي والاداري اللبناني على مدار سنوات من حكم فئات سياسية، لم يخطئ من اطلق عليه حكم الحلف الميليشيوي المافيوزي، إذ وصلت المحاصصة في العهد العوني في ذروتها لحدود تنازل المافيا عن السيادة للمليشيا وداعميها في مقابل الغرف من مغانم السلطة ومفاسدها الكثيرة.
هكذا تحول التنوع الطائفي والمناطقي والطبيعي في لبنان بروافده المتعددة، وعلى مراحل كثيرة من الزمن اللبناني الصعب، من غنى التنوع الذي شكل مصدر ازدهاره وتميزه في محيطه، إلى الحالة القبائلية التي استدعت التدخلات الخارجية، وأصبحت مصدر تعاسته وتراجع دوره الحضاري لدرجة الخطر الوجودي.
من مآثر حكومة حسان دياب، انها اعلنت التعثر عن الدفع دون حوار مع الدائنين لاعادة الجدولة وذلك في ٧/٣/٢٠٢٠، و سرعان ما تلتها مأثرة اسوأ أداء ريعي، إذ انفلشت سياسة الدعم المالي الملتبس واهدرت الكثير من مليارات الدولارات المتبقية في مصرف لبنان من اموال المودعين، بعد ان هرّب اصحاب المصارف والنافذون مليارات أخرى الى الخارج، خصوصا خلال فترة اغلاق غير مسبوق للبنوك مع انفجار انتفاضة الغضب و لغاية ٣١/١٠/٢٠١٩. و في الواقع فإن مليارات الدعم ذهبت بمعظمها الى الميسورين وشبيحة المال ومصاصي الدماء من التجارالفجار، فضلا عن جماعة المافيا والميليشيا وشركائهم في النظام السوري.
ورغم وصول البلد الى الدرك الاسفل في العهد العوني الحزب اللاهي، فقد اعلن حسان دياب ان حكومته انجزت 97 بالمئة من بيانها الوزاري. ومن مآثر وزير المالية في حكومة دياب، سحب مشروعه للكابيتال كونترول من مجلس الوزراء بناء على رغبة مرجعيته السياسية، مما اطلق العنان لمزيد من تهريب الاموال من قبل الاقوياء النافذين على حساب المودعين العاديين الذين خضعوا لتعاميم الفرعون سلامة الاستنسابية بغياب قانون استثنائي لتنظيم السحب.
ومن مآثر هذه الحكومة أيضا، أن شهد عهدها جريمة التفجير المروع لنيترات الامونيوم في مرفأ بيروت الذي دمر جزءا كبيرا من العاصمة وقتل المئات وجرح الآلاف وروع الملايين. ويقال بأن كمية النترات الاكبر كان قد فجرها النظام السوري بالشعب السوري الشقيق.
وللعلم فإن رئيس حكومة حزب الله( كما أطلق عليها البعض)عدل عن زيارة مقررة للمرفأ بناء على نصيحة من مجهول، حين أعلم رسميا بوجود النترات الخطرة، كما أنّ الرئيس عون ذو الخلفية العسكرية تعاطى بخفة حين أعلم بالنترات رسميا من قبل أمن الدولة أيضا. وحين حاول الرئيس دياب انقاذ ماء وجهه بالدعوة لانتخابات مبكرة، أجبر على الاستقالة من قبل من أتى به. أما الباقي فقد أصبح معروفا ومتداولا، سواء على المستوى القضائي، سواء على المستوى السياسي أو السيادي وحتى على المستوى الأمني.
لقد اختفى معظم رموز هذه الحكومة، وهم كانوا اصلا بلا ملامح، ما عدا قلة منهم، نفد بعضها بماء الوجه بالاستقالة بعد جريمة التفجير مباشرة وأحدهم قبل التفجير بيوم واحد.
لم يكن مقال د.وزني الذي نشر في افتتاحية جريدة النهار في ١٣/١/٢٠٢٤ المقال الوحيد الذي نشر له منذ ذهاب الحكومة. إلاّ أنّ هذا المقال تضمن مشروعا للحل جاء تحت عنوان: 2024″ عام انصاف المودعين والاصلاح المصرفي؟”
المقال يتناول تقريرا لهارفرد ثم يبدأ بالتباكي على المودعين والهيركات الكبير الذي تعرضوا له، مقترحا وقف الهيركات باعتماد السعر الفعلي ٨٩٥٠٠ للدولار واقرار قانون كابينال كونترول، ثم يتابع في نقاط جذابة، معظمها مكرر كاستيفاء ضريبة ممن سدد قرضه على دولار متدني وشطب الفوائد العالية وتحميل الحكومة جزءا من الخسارة عبر مبلغ يتحول لسندات خزينة فضلا عن هيكلة المصارف وتشجيع تحويل بعض الودائع الكبيرة لاسهم، بمقابل تسديد ودائع 50.000$ عل خمس سنوات. ومع أنّ د.وزني تكلم عن ودائع مشروعة وودائع غير مشروعة، الا أنّ هذا الا قتراح الذي دونه كل صعوبات الارض، بوجود سلطة غير مشروعة ويحميها فائض القوة، يسبقه إقتراح بطعم السم ويستهدف فئات معينة، بدأ باستهدافها الفرعون سلامة ومن وراءه من سياسيين ومصرفيين و اقتصاديين، عنيت بها الودائع التي حولت للدولار بعد ٣١/١٠/٢٠١٩. وهو ما أطلق عليها البعض ظلما الودائع الغير مؤهلة. وكنا قد شهدنا مؤخرا بعض التغيير في النظرة لهذه الفئة المظلومة من القيادة النقدية الجديدة، بدأت باصدار التعميم ٦٨٢ المعدل ل١٥٨ والذي يطال جيران هذه الفئة ممن نقلوا ودائعهم الدولارية بعد ٣١/١٠/٢٠١٩ الى مصرف آخر وحرمهم الفرعون من الاستفادة من ١٥٨. علما أنّ المصارف ما زالت تمتنع عن تطبيق التعديل بعد شهرين من صدوره. ونطالب د.منصوري بالتدخل الفوري، علما أنه توجهه لإعطاء الفئة الأكثر ظلامة “خرجية”١٥٠$ شهريا قابله فجور المصارف التي تتئذرّع بفقدان السيولة بينما الحقيقة أنّها تمسح ب150$ حوالي 1000$ من حساب المودع، ما يستدعي رفع عصا موسى لوقف عبث فراعنة المصارف وتنكيلهم بالمودعين وليس التردد والخضوع.
لذا اضع الملاحظات التالية:
اولا: يقول د.وزني ان هذ الفئة حولت من الليرة للدولار بسعر مضاعف ل١٥٠٠، موحيا بالاضعاف المفتوحة، والواقع أن معدّل التحويل هو ٢٠٠0 لانه توقف بعد التعثر اي في بداية آذار حين تخطى الدولار عتبة ٣٠٠0، علما أنّ أكثريتها حصلت قبل ٢٠٢٠ اي على دولار لا يتعدى ٢٠٠0 .
ثانيا: جمدت هذه التحويلات بين ٦ اشهر وثلاث سنوات ومعظمها دون فائدة. والآن هي محجوزة وتدفع بهيركات كارثي باعتراف د.وزني. وهذه الفئة معظمها غير ميسورة، وقد مسحت منها مليارات الدولارات ولم يتبق سوى ١٦ مليار يقترح د. وزني تقسيطها ب 50٪ من سعر الدولار الفعلي بعد سنوات الجلد والهيركات والتضخم.

ثالثا: إنّ الليرة كانت متاحة في المراحل الأولى وبسقف عال وصل ل25 مليون، مما يعني أن البديل عن التحويل كان اضمن، خصوصا بالنسبة لصغار المودعين.  يقول د.وزني ان هذه الفئة راكمت ارباحا خيالية، علما انه يعرف ان من راكم الأرباح هم الأقلية المحمية والنافذة التي استغلت حاجة الفئة الضعيفة من المودعين المدخرين فاشترت شيكاتها بتراب العملة، ومنهم من سيل هذه الشيكات نقدا او تحويلا للخارج بالتواطؤ مع اصحاب البنوك، والارجح بمعرفة من رياض سلامة. والأحرى ب د.وزني بأن يطالب برفع السرية المصرفية لمعرفة تجار الشيكات وحماتهم ومعاونيهم، وملاحقتهم وضم ودائعهم للودائع الغير مشروعة، عوض خلط الحابل بالنابل.

رابعا : اذا كان التحويل قد تم دون ملاءة، فمن المسؤول؟ المصارف التي حولت والمصرف المركزي الذي وافق؟ أم المواطن العادي الذي مارس حرية التحويل ضمن القانون وجمدت وديعته ثم حجزت؟ وبالمناسبة نسأل: هل كان هناك ملاءة قبل ٣١/١٠/٢٠١٩، خصوصا في ٢٠١٩ و ٢٠١٨؟
وهنا نتساءل لماذا لم يوقف المركزي التحويل فورا طالما أن الملاءة فقدت؟ ما يجعل السؤال التالي يمتلك مشروعية : هل استهدفت ودائع الليرة عمدا بالسماح بالتحويل للدولار بهدف حجزها مع الودائع الاخرى؟

خامسا : نتفهم هواجس بعض المحللين الصادقين على القطاع المصرفي وعلى الاقتصاد، خصوصا أنّ السلطة تتوحش لتأمين ايرادات عبر ابتداع ضرائب ورسوم خيالية، ستفرغ جيوب ما تبقى من الطبقة الوسطى، عوض تنشيط الإدارة وملاحقة التهرب الضريبي والجمركي، فضلا عن التهريب والاقتصاد الاسود. ويقيننا بأنّ هذه السلطة لم ولن تقوم باصلاحات جدية، فهي متواطئة مع فائض القوة و الاحتلال المقنع.
ومع ذلك فإنّه آن الاوان لوقف استضعاف هذه الشريحة المنهكة من المودعين ومن المواطنين عموما ووقف تحميلهم أعباء الفشل والفساد والهيمنة والإنتقال للمواجهة المباشرة.
وهنا نجدد السؤال : ماذا تنتظر المعارضات والنقابات والقوى المجتمع المدني عموما كي تتحرك؟
كانت تنتظر الرئاسة المحجوزة! والآن هل تنتظر نهاية مذبحة غزة وحرب المشاغلة التي أنزلت علينا معها؟ النضال لا يتجزأ والناس لا تأكل خطابات، وفي الانتظار القلق والممل، الكفاءات تهاجر والبلد يتآكل.

زر الذهاب إلى الأعلى