متفرقات

كتب المدير العام لوزارة الاعلام الدكتور حسان فلحه في جريدة “النهار” عن النوازع الشخصية والهيام فوق رؤوس الأقدار

 

تبقى النوازع الشخصية عند الفرد هي السمة المكونة لسلوكه وانطباعاته المتمردة والهادئة ، والمتقلبة والمستقرة ،وفق استجابات عاطفية متغيرة ومشاعر طيعة او مضطربة تنم عن الذات الانسانية الحائرة وتنأى عنها بالاخر واليه، تستلبه اشياءه كلها في نرجسية مرايا الذات والتملك والاحاطة المفرطة بطوق الحصرية ‎رابط الحب قد لا يعدو كونه محطة إلزامية مفصلية في سبيل بقاء الحياة او “عادات القطيع”، كما يقول ارثر شوبنهاور او الحفاظ على الجنس البشري، انه جدلية التلازم بين عقدتي التضحية والتملك واشكالية التشابك والتمايز بينهما، هو إدماج عاطفي متحور لا يستقر على خط بياني ثابت، انه التقلب الذي يحكمه تضافر الزمان والمكان على مآل حبكته وصيرورته.

‎الانجذاب العاطفي الحاد او الحنين من ‎الامور الموغلة في التعقيد لايمكن فهمها باي لغة بشرية، هو فعلًا، محدود من طرفٍ واللانهائي من الطرف الاخر، والتفاوت اكثر إيثارًا بين استطاعة الجسد عن ادراك سياق الروح في هيامها فيبقى عاجزا في الذهاب الى حيث تحل وترحل، ‎وأزمته في محور تناقضه ان الخير فيه لا يعرف الشر ابداً، والشر فيه يدرك الخير ويستبيحه فتصبح انانية جوهرية في ما نسميه حبًا على مسميات درجاته المتصاعدة من الهوى والغرام الى الهيام والتعبد، مستفيضا بين الجوى والخبل و التتيم والعشق والكلف والشغف كلها معان ذات مشاعر تغوص في تعظيم فردية الذات ومحوريتها الحصرية. وتعود وتذوي في الأنوية وتسكن حالها. الإنسان يحب ذاته بنرجسية غامرة في حبه الاخر، كأن يتملكه ويأسره.
‎وفي طبعه الغرائزي هو يحب ما يلاحظ، لا ما يرى. ‎الانسان لا يحب محبوبه بقدر ما يحب ما يرى حاله في محبوبه، وما يشعر به قد يكون استردادًا لمفقود افتراضي او اشباعا لحاجة الانسان الملحة في انعكاس الانا وان يرى نفسه في الاخر.
‎ايا كان الحب او نوعه او مستواه فان الاخر يكون دائما مرآته التى تعكس ذاته معقر الشخصية او محدبها، ضعيفا او قويًا هي نرجسية الانعكاس للذات ، حتى في حال بذلها فهي ارتقاء لدمج الاخر في هيئة صورته او احساسه او مشاعره، وعند عدم الاستجابة تعتمل عنده عقدة إنكار الذات التى تبلغ مرتبة الانانية وفق انفعالات نفسية تتجاوز عند اضطراباتها، المثالية العاطفية الى افعال عدوانية خشنة، مسبقة التكوين، ضامرة الظهور تبين حقيقة الانسان الأكثر غرائزية من الكائنات الاخرى فيرتد الى طبيعته الحقيقية ويلوذ في السكوت والسكون…

‎اذ ان الواقع الابدي الساكن معه كإنسان حي بكائنه، ان الزمن المناسب هو الان، وان المكان الوحيد هو هنا، وان المصير المستحيل دائمًا ، لربما تكون هي او (هو)… ‎اما ألانا، فهي “الان” و”هنا” و”هي”، الأنا التى تستفيض عن مقدار الجماعة وتنزوي في داخل الفرد وتغرق عميقا في تقديس الذات يظنه لواحد حبًا مملوكا او شخصا رهينا ليكّمل شاكلته، يربيه له، يعطف عليه ويداعبه ولكنه يصرخ فيه ليسمع ذاته، كأنه الابد المسكون بدوامة البحث عن الانانية التى يجدها في صورته التى يراها فيها من دون النظر اليها. فما نفع الظل لاوراق الشجر سوى استراق الضوء من الفيء خلسةً، وما يجني الورد من العطر غير لمس قاتل من رائحة عابرة، كلنا متوارون عن الانظار، هائمون فوق رؤوس القدر تدفعنا الى زوايا اليأس أحلامنا المتفلتة من اطار الوعي الى الذوبان في النفس البشرية المنسية في زحمة الضوابط الاجتماعية والنوازع الاخلاقية.

زر الذهاب إلى الأعلى