عودة: بلدنا انهار، وذوو السلطة والنفوذ ما زالوا على ترفهم، وبطشهم، وطمعهم بخيرات البلد وأموال الشعب

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل المقدس ألقى عظة قال فيها: “في إنجيل اليوم يعطي الرب يسوع مثلا عن غني كان همه أن يجمع غلاته ويوسع لها مكانا، غير مهتم لخلاص نفسه، فأتت ساعته وهو غير مستعد. قبل هذا المثل، كان الرب يسوع يحدث الجموع عن الكرازة بلا خوف، كما عن الضيقات التي ستأتي على ناقلي البشارة. وعندما طلب منه شاب من الحضور أن يقول لأخيه أن يقاسمه الميراث قال للجموع: «تحفظوا من الطمع، فإنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله». جاء هذا الكلام بعدما رفض الرب يسوع أن يكون قاضيا بينهما، لأن الأرضيات زائلة، لكنه اغتنم فرصة الطلب كي يظهر للجموع عاقبة الطمع وحب المال والمقتنيات، ذلك من أجل خلاص نفوسهم. نشعر وكأن المسيح مر مرور الكرام على طلب الشاب. كان يتكلم على الكرازة، فجاء الشاب بطلبه المادي، لذا ربط الرب بين الموضوعين، وكأنه يشاء تحذير من أرادوا التبشير من مغبة حب الماديات، لأنها تبعد الكارز عن أهداف كرازته السامية، فتجعله عبدا للمال بدلا من فلاح للصالحات وغارس لكلمة الرب في النفوس”.. ..
وتابع : “لم يخطئ غني مثل اليوم في إرادة بناء المخازن الأوسع، لأن هذا أمر طبيعي، لكنه أخطأ في طريقة تفكيره. ظن أنه سيعيش إلى الأبد، فلم يفكر بالمساكين الجياع ولم يوزع عليهم من خيرات الأرض التي منحه إياها الله. أعمته أناه، وظن أن الخيرات والغلات هي له، أو جاءت بتعبه، ونسي أن الله هو الواهب، فمات في طمعه. في الفكر المسيحي ما يسمى «ذكر الموت»، إذ يضع المسيحي نصب عينيه إمكانية مغادرة العالم في أية لحظة، الأمر الذي يدفعه إلى التوبة الدائمة ونبذ الماديات الفانية، وكنز الكنوز السماوية”.
أضاف: “أين المسؤولون من هذه الأفكار الإلهية؟ كل منهم يظن أنه خالد، فيوسع أهراءه، ويخزن فيها ما وهبه إياه الله لمساعدة الآخرين. بلدنا انهار، وذوو السلطة والنفوذ ما زالوا على ترفهم، وبطشهم، وطمعهم بخيرات البلد وأموال الشعب، لذا لا نرى جدية في العمل على حلول ناجعة تنهض بالبلد وأبنائه. الإصلاح الموعود تعثر لسبب نجهله، مسيرة النهوض توقفت، أموال الناس تبخرت، حتى تحقيق المرفأ عثر وصرف النظر عنه. لقد عجزوا عن انتخاب رئيس، والبلد يدار من حكومة تصريف أعمال تكبلها ارتباطات أعضائها أو مصالحهم، ومجلس النواب لا يعمل، لا ينتخب ولا يشرع ولا يراقب ويحاسب، والشغور يكاد يعم معظم الإدارات العامة شبه المقفلة. والأخطر عدم احترام الدستور وتفسيره بما يناسب المصالح. إن الإستهانة بالموقع الأول في البلد يؤثر على الحياة الوطنية بأسرها، على وحدة البلاد ودورها، وعلى أداء المؤسسات وملء الشغور فيها. ألم يحن الوقت بعد لتخطي الأنا والإلتفات للمصلحة العامة، خاصة في هذا الظرف؟ الله فطرنا على الحب، فلا نشوهن ما خلقه الله أكثر فأكثر”.
وختم: “دعوتنا اليوم أن نرمي عن نفوسنا وقلوبنا وشاح الأنا والطمع، وأن نلبس لباس المحبة الذي توشحنا به في المعمودية. وليكن هدفنا الملكوت السماوي حيث الغنى الحقيقي، عوض تكبيل أنفسنا بغلات تسرق وتتلف ونموت قبل الاستفادة منها. كذلك نرفع الصلاة من أجل المعذبين والمقهورين في غزة حيث حتى الحجر يئن، ونسأل الله أن يرفع عنهم الظلم، وأن يدرك العالم أن ما يجري هناك جريمة بشعة، لكن الأبشع هو سكوت العالم وعجزه عن وقف المجزرة. حمى الله الأطفال والأبرياء وحمى لبنان من كل شر”.